أفادت وكالة مهر للأنباء _ طراد حمادة: كان أدب " جان بول سارتر " من المختارات في علم الفلسفة والاجتماع، فهو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي. بدأ حياته العملية أستاذاً درّس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وإنخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. فقد عرف سارتر واشتهر لكونه كاتب غزير الإنتاج، ولأعماله الأدبية وفلسفته المسماة بالوجودية.
الذباب هي أحد الأعمال المسرحية للكاتب المسرحي، فقد كُتبت هذه المسرحية بتاريخ 1943، وفيها يحاول جان بول سارتر أن يوفر للقارئ حرية القراءة بموضوعية هادئة، وذلك فيما يخص قضية الإرادة الحرة للشعوب وحقهم في التعبير والمشاركة في تقرير المصير، ودفع الذات نحو العمل والنجاح وصنع واقع افضل وذلك بتحفيزها نحو الارادة والطموح والثقه بالنفس، ويرى أنه يتوجب على حركات المقاومة أن تتحمّل أبعد حدود المسؤولية.
ويرى الوزير اللبناني السابق " طراد حمادة " أن الرواية كانت تطرح اسئلة مثل " هل يحق لحركات المقاومة التي ساهمت في تحرير البلاد من القوى الاستعمارية أن تشارك في تمثيل الدولة والحكومة ؟، خصوصاً أن ما فعلته هذه الحركات أحدث متغيراً أساسياً يعتبر مسؤولاً عنه، فيما ترتب عليه من آثار. فمثلاً لنأخذ مواقف الشيوعيين في فرنسا من الرئيس شارل ديغول، إلى الثورة في الجزائر، إلى فيتنام، وبقية الثورات في العالم، حول حق الثورة في تسلّم السلطة بعد تحرير البلاد من الاحتلال ".
وقال "طراد حمادة": "وعليه، فانطلاقاً من هذا المذهب للحركات الثورية السابقة، قام سماحة الأمين العام لحزب الله السيد " حسن نصرالله "، بعد تحرير عام 2000، بزيارة إلى رئيس الجمهورية في قصر بعبدا. يومها، حصل نقاش في الصحافة اللبنانية بشأن هذه الزيارة، والمعاني المتضمّنة فيها، وأذكر أنّ المرحوم جوزيف سماحة كتب في جريدة " السفير ": " السيد حسن نصر الله لا يحقّ له فقط زيارة قصر بعبدا، في قواعد كلّ الثورات في العالم من يحرّر البلاد يصبح حاكماً في قصر بعبدا "، ذلك هو المنطق العام الذي لا ينطبق على ما في لبنان من خصائص تركيبة نعرفها جميعاً بالتفصيل المملّ".
حزب الله اكتفى بعد تحرير لبنان عام 2000 بالمشاركة في البرلمان اللبناني لتحصين لبنان من العدو الصهيوني المحتل، فقوة حزب الله أنشأت معادلة توازن الردع.
وتابع "لم يحاسب حزب الله العملاء كأسيادهم، وفق آراء سارتر في " الذباب " وماوتسي تونغ وغيرهما من فلاسفة وقادة الثورات والمقاومة، وفعل ما فعله أورست بأن ترك الحكم في البلاد للآخرين، مكتفياً بالمشاركة في البرلمان، وإعداد قوة المقاومة، لتحصين لبنان من العدوان، وأنشأ قوته الصاروخية التي أقامت توازن الردع، الذي نعيش في ظلّ ما فرضه من قواعد الاشتباك، ورسم خيوطاً صريحة للحرب والسلام".
وأوضح الوزير السابق ان هذا الوضع استمر حتى عام 2005، وقد حصلت في هذه الفترة متغيّرات، دولية، إقليمية، وعربية عديدة، من أهمها:
1- المواقف الدولية التي عبّرت عنها دراسات الهيئات المختصّة في الأمم المتحدة حول مسائل التنمية والحرية والديمقراطية والنظام الرشيد وتمكين المرأة... إلخ، والتي وجّهت انتقادات قوية إلى طبيعة الأنظمة العربية.
2- انفلات موازين القوة لمصلحة الأحزاب الإسلامية (الإخوان المسلمين) على حساب الحركات القومية في بلدان عربية عدّة، الوضع داخل فلسطين نفسه انقلب لمصلحة الحركات الإسلامية، " حماس " و" الجهاد "، بعد الوهن الذي لحق بحركة " فتح "، بعد مرحلة قيادة ياسر عرفات.
ونوّه على ان هذه الأحداث تطوّرت في ظل علاقات دولية مشجّعة أوصلت الأمر إلى قيام مرحلة الثورات العربية، وتدمير النظام العربي الإقليمي، وهدم بنيان الدولة في أكثر من قطر عربي.
واستطرد في القول " كان انتهاء مرحلة الحريرية السياسية الأولى المتعلّقة بإعادة إعمار لبنان والسير في لعبة التوازنات الجديدة، وما ترتّب عليها من آثار سبقها اغتيال الرئيس الحريري، من قبل قوى تريد أن تُدخل لبنان في أتون التغييرات العربية، ثم ما تلاه من انسحاب القوات السورية من لبنان، وصدور القرار 1559، وحصول فراغ في مكان ما في السلطة اللبنانية، يهدّد المقاومة ويؤدي إلى الفوضى العامّة ".
واشار الى ان النقاش كان في حزب الله يدور حول المشاركة في السلطة، دار نقاش صعب ومهم حول المشاركة في البرلمان، ومن عاش تلك المرحلة يعرف حيثياتها، وتمّت الموافقة على المشاركة في البرلمان، للدفاع عن حقوق الناس، لكن بقي الحذر من المشاركة في الحكومة لأسباب سياسية، ومنها فقهية باعتبار ما يترتب على المشاركة في سلطات تنفيذية، قد تكون بائدة أو فاسدة في مرحلة من المراحل.
وقال الوزير: انه " وفق نظرية ولاية الفقيه، يلزم المشاركة في الحكومة، لأنّ ولاية الفقيه تشرّع الفعل السياسي. وعليه، تكون المقاومة مسؤولة عن الآثار المترتبة عن المتغيّرات التي تحدثها في النظام السياسي العام، وغيره من أدلّة فلسفة العقل السياسي، أو ما يُسمى الدليل العقلي ".
المقاومة اللبنانية حرّرت لبنان من الاحتلال الصهيوني، وعليها أن لا تدع الآثار المترتّبة على هذا التحرير تعود عليها سلباً، أو ان يتم التحكم بها.
واكد " طراد حمادة " ان المقاومة حرّرت لبنان من الاحتلال، وعليه فإنّ الآثار المترتّبة على هذا التحرير، يجب أن لا تتركه للعبة اللاعبين، والعالم من حول لبنان يضجّ بالمتغيّرات: حركات إسلامية عدّة، تُظهر علانية سعيها للوصول إلى السلطة، تبدّلات كبرى على مستوى موازين القوى، تراجع حركات كانت حاكمة لمصلحة أخرى.
وقال " ان دول كبرى تسعى لفرض أنظمة جديدة في المنطقة، وهناك بداية الحرب الناعمة وتعميمها، ولبنان في قلب هذا الصراع وليس بعيداً عنه. وعليه، فإنّ القرار الصائب الذي اتخذته قيادة المقاومة الحكيمة، كان المشاركة في الحكومة، لتثبّت قواعد ومكتسبات التحرير وحماية المقاومة من العدو الصهيوني في سياق الإعداد للحرب التي كانت قائمة بشكل صريح وفعّال، وحماية لبنان من دفع ثمن المتغيّرات من حوله، كما حصل مع اغتيال رئيس وزرائه، وما تبعه من دفع الوضع فيه إلى حافّة الفوضى والفتنة، وربما الحرب الأهلية، وجلّ الفراغ الذي تركه الانسحاب السوري، وما أحدثه من خلل في تركيبة السلطة، اعتادت الاستعانة بالدور السوري لإقامة توازناتها ".
قرار حزب الله بدخول الحكومة والمشاركة فيها هو قرار حكيم وصائب، وفي لحظته التاريخية المناسبة في ظل المناخ الدولي والاقليمي والوطني، ولا تزال الحاجة اليه قائمة الى يومنا الحالي.
وتابع " في هذا المناخ الدولي والإقليمي والوطني، قرّر حزب الله دخول الحكومة، وهو قرار حكيم وصائب، وفي لحظته التاريخية المناسبة، ولا تزال الحاجة إليه قائمة، وهو متّفق مع الفعل السياسي، ومقوّمات الفقه السياسي لحزب الله، من باب اعتباره حزباً يقيس المواقف على قواعدها العقلية والنقلية ".
وعليه، فإنّ ما تقدّم يُظهر أدلّة من الأدب السياسي العالمي، والمسؤولية المترتبة عن حدوث آثار للفعل. وهو ما يتّفق مع ولاية الفقيه، بما هي إقرار لمشروعية الفعل السياسي، وحمل على تحمل المسؤولية والتصدّي لها وهو ما كان متحقّقا واقعياً.
ووفق الوقائع السياسية المحيطة في لبنان في تلك المرحلة وما رافقها من حوار داخلي في حزب الله، وكيف أدى هذا القرار، إلى إنتاج القرار الحكيم والصائب، والذي لا يزال يحافظ على مشروعيّته وقوانينه وحكمته، فإنّ ذلك لم يحصل عن عفو الخاطر، أو في غفلة، ومناسبة عابرة، ولكنّه حصل استجابة للوقائع ونظر العقل والنقل، وهو صورة حقيقية عن رسم السياسات الواقعية.
حرب تموز ثبّتت قواعد تشكيل الحكومة بنسخة وطنية، ومنعت القوى الداخلية من أخذ لبنان إلى أتون فوضى عارمة.
وأكد " طراد حمادة " أن مشاركة حزب الله في الحكومة أثبتت فعاليّتها في أمور عدّة منها:
1 ــ كسر هيمنة الاعداء، وإعادة الإعمار، وتثبيت قواعد موازين القوى مع العدو بعد الحرب.
2 ــ منع قوى داخلية من أخذ البلاد إلى أتون فوضى عارمة، وتثبيت قواعد تشكيل الحكومات بنسخة وطنية مع الصعوبات المرافقة لها.
3 ــ حماية لبنان من أتون حرب الإرهاب التي كانت تهدّد بنيانه واستقراره.
4 ــ قيام مقولة الجيش والشعب والمقاومة، كمقولة استراتيجية تؤمّن قواعد الدفاع الوطني.
5 ــ وضع حزب الله قواعد فعّالة للعمل الحكومي، ابتعدت عن كلّ أشكال الهيمنة والمحاصصة والفساد.
وكان لي الشرف أن أكون أوّل وزير لحزب الله في حكومة نجيب ميقاتي، في عام 2005، وندعو الله سبحانه وتعالى أن ينصر حزب الله ضد الاعداء ويحمي أمينه العام ويحفظ لبنان.
/انتهى/
تعليقك